إن الحقوق التي بين الإخوة وبين المسلمين .. حقوق التعامل بين المجتمع المسلم تأتي باسم الإسلام، لماذا؟ لأن المؤمن حقه وشأنه أوكد من أنك تحتاج إلى أن تذكر بأخوته؛ لأنه مؤمن مطيع لله ورسوله .. مؤمن مستقيم .. ممتثل للأوامر، مجتنب للنواهي .. إذاً: لا يجوز أن يكون بينك وبينه أي شيء، بل تكون المحبة بينك وبينه في أفضل أحوالها. لكن ليس هذا هو المطلوب فقط، المطلوب هنا أن تكون مؤدياً لحق المسلم الذي هو من أهل القبلة، من يصلي صلاتنا، ويستقبل قبلتنا وإن لم يكن بدرجة الإيمان، ولكن يكفيه أن يكون مسلماً. لو قلنا: شخص خارج عن الإسلام، من كفر أخاه أو أخرجه عن الإسلام وهو غير ذلك، فهذه كارثة ومصيبة أخرى سنتكلم عنها، لكن نتكلم عن الذي يقول: هو مسلم، لكنه لا يقوم بحق من حقوقه التي جاءت في الشرع مرتبطة باسم الإسلام.
  1. حرمة دم المسلم وماله وعرضه

    يقول صلى الله عليه وسلم: {كل المسلم -ولم يقل: كل المؤمن- على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه} فالمؤمن له حق عليك أن تنصره، وأن تقوم بواجبات إيجابية، لكن المسلم أدنى شيء كما جاء في الحديث الآخر: {المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده} لاحظ هنا: سلامة، وهناك: حرام، أوصاف سلب تقريباً، لكن لماذا؟ لأن هذه هي القاعدة، أي: الحد الذي لا يعفى عنه أي مسلم، ولا يمكن أن يتحقق اسم الإسلام إلا به أن يسلم المسلمون من لسانه ويده، وأن يعلم أن أخاه المسلم وليس المؤمن أو المحسن أنه حرام عليه دمه وماله وعرضه.
    ثم يبنى على هذا: الأخوة، وعمق العلاقة والحقوق التي تؤدى، فمثلاً: حق السلام، إذا لقيته فسلّم عليه: {حق المسلم على المسلم خمس أو ست: إذا لقيته فسلم عليه} كل مسلم له هذا الحق، وليس المؤمن فقط أو الأخ الملتزم الطيب، الذي إذا مررنا من عنده سلمنا عليه، وإذا مررنا من عند شخص لا يظهر عليه كذا لكنه مسلم لا نسلم عليه، فهذا لا يجوز.
    وكذلك بقية الحقوق، وستأتي الحقوق معلقة على أن يكون مسلماً.
    إذاً.. نحن يجب علينا كإخوة في الله وفي محضن تربوي أن نعيش التربية، وأن نحولها من آراء واعتقادات ونظريات إلى أعمال، وأن نقتفي هدي النبي صلى الله عليه وسلم أو من خلال كلام الله تبارك وتعالى بشأن واحد ثم نعمل به.
    مثلاً: أنا أقترح عليكم كأخ لكم في الله، أن نجعل شعارنا في هذا المركز في هذه السنة من أول ما نبدأ إلى أن ننتهي قضية واحدة: أداء حق بعضنا على بعض (حق الإسلام) ونبدأ نفكر: هل أنا أديت حق أخي عليّ؟
    لو راجعنا هذا يا إخوان والله نخرج بثمرة تربوية مفيدة جداً للجميع، ونحن نقول: الحمد لله على الإسلام، مسلمون مؤمنون، وإن شاء الله لا نترك آية ولا حديثاً، لكن دعنا نجرب فعلاً في الواقع، أنظر إلى الإخوة هؤلاء عندما أقابلهم في المسجد أو في الشارع أو في أي مكان: هل أنا فعلاً أديت حق أخي؟
    ولنبدأ من قضية أنه حرام عليّ دمه وماله وعرضه، قبل أن أفتح فمي بأي كلمة تُشعر باحتقاره، وقد جاء في أول هذا الحديث: {لا يحقره ولا يظلمه ولا يخذله} أتوقف قبل أن أفتح فمي بأي كلمة تجرح شعور أخي المسلم أو يشم منها طعناً أو تحقيراً له.
    فلأجعل شعاري هذه المرة عملاً أعمله أتقرب به إلى الله، وآخذ فيه بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ألا أغتاب أخاً لي في الله، وألا أشتمه، وألا أتحدث عنه بأي شيء يُشعر بازدرائه واحتقاره، وأجعلها قضية عملية، من خلال المركز، ومن خلال الذهاب إلى المسجد والعودة منه، وفي أي لقاء وفي أي مكان، وأبدأ أقولها لوالدي وإخواني ومن أعاشر وأخالط: إياكم إياكم أن تذكروا مسلماً عندي إلا بخير، فالقضية خطيرة، فإذا تنور قلبي بهديه صلى الله عليه وسلم وأيقنت حقيقة أن هذا جانب عظيم نحن نغفل عنه في حياتنا الاجتماعية نبدأ به.
    كيف تتوقعون النتائج؟ بل وأعلى من هذا أحب له ما أحب لنفسي: {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه} أن أذب عن عرضه وأدافع عنه، وأن يؤلمني ما يؤلمه، وأن يفرحني ما يفرحه، هو أخي المسلم في أي مكان كان من هذه الأرض، ولا سيما الجار أو من كان له حق آخر.
  2. الهدي النبوي علاج لمشكلات الشباب

    أقول: إن هذا الدين العظيم وهذا الهدي النبوي الكريم الشامل الجامع الذي جمع كل خير ومنع كل شر لو أخذنا منه بقاعدة ثم التزمنا بها لرأينا النتائج الإيجابية الكثيرة دائماً وأبداً في حياتنا، ولذهب كثير جداً من العلل والأدواء التي أتوقع لو أننا أعطينا كل واحد منكم الآن قلماً وورقة وقلنا له: نريد أن تحدثنا عن مشكلة من مشكلات الشباب أو مشكلة من مشاكل الأمة، فلا أظن إلا أن كل شخص منكم سيكتب مجموعة من المشكلات؛ لأننا نعيشها يومياً. لكن لو التزمنا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وامتثلنا أمره في هذه القضية الواحدة، فيما يتعلق بحقي عليك وحقك علي، وطبقنا ذلك وعضضنا عليه بالنواجذ؛ لوجدنا أن كثيراً جداً من هذه المشكلات تحل. إذاً.. الحل ليس التنظير النظري، ليس كتابة بحوث عن هذا الموضوع، ليس محاولة تجنب بعض المشكلات أو ندافع عن بعض القضايا أو ندخل في متاهات، وكل منا يأخذ طرفاً من الأدلة. الحل يا إخوتي وفقني الله وإياكم: أن كل واحد منا ينظر إلى نفسه، ويبدأ بها ويلزمها هو أبداً بحق المسلم على المسلم، ربما قد قلت وأعيد لكم القول هنا: إنني لا أحب بعض الألفاظ والمصطلحات التي عادة نستخدمها بيننا: هذا أخ ملتزم وهذا غير ملتزم، وهذا كذا.. وهذا كذا.. التعريف لا مانع منه، يمكن أن تعرِّف فلاناً بصفة فيه بأنه كما قال العلماء: إذا قلت مثلاً: الأعمش أو الطويل أو كذا، لا يدخل في الغيبة؛ لأن المقصود هو التعريف، حيث إنه يعرف بأنه فلان، لكن نحن الحقيقة جعلناها تواصلاً، فلان ملتزم فهو له علي حقوق معينة، وفلان غير ملتزم فكأنه لا يربطني به رابطة، حتى لو صلى بجانبي في المسجد نظرت إليه شزراً. هذا ليس من الدين، وهذا مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فعلينا أن نعيد نظرتنا إلى أنفسنا أولاً ثم إلى الآخرين بمنظار النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، لا بما تعودناه نحن أو ما اصطلحنا عليه.